كتب : د. محمد نصر الدين الجبالي .
” القرن الفضي” :- هو المسمي لمرحلة مهمة في تاريخ الأدب الروسي تبدأ في عام 1890م وتنتهي مع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين. كانت تلك السنوات بمثابة مرحلة انتقالية هامة في تاريخ الحياة الاجتماعية والأدبية في روسيا، وأصبح المجتمع يستشعر يوما بعد الآخر حتمية حدوث أزمة اجتماعية طاحنة، وضرورة تغيير منظومة القيم القائمة.عاشت روسيا في منتصف التسعينيات من القرن التاسع عشر نهضة هائلة في الاهتمام بالقضايا الروحية والاجتماعية، وانعكس ذلك في الفلسفة والأدب والفنون والموسيقي والمسرح والباليه، وسمح للمعاصرين وقتها بالحديث عما يسمي »بالنهضة الروحية» في روسيا وعن بداية العصر الفضي في الأدب. وبشكل عام اتسم الأدب في بداية القرن العشرين بالتركيز علي القضايا الفلسفية، حيث اكتسبت أي قضية اجتماعية اوجانب منها أهمية روحية وفلسفية. وكان من أهم ملامح أدب تلك الفترة: تناول قضية معني الحياة للإنسان الفرد وللبشرية كلها، والتركيز علي سمات الشخصية الوطنية والتاريخ الروسي، وسيطرة الدنيوي والسماوي علي الموضوعات المطروحة، والبحث المكثف عن وسائل فنية للتعبير، واستخدام المناهج غير الواقعية في الأدب، والتفاعل بين الأجناس الأدبية، وإعادة التفكير في ماهية الأجناس الأدبية المختلفة واستكمال ما ينقص كل منها من عناصر ومضامين.وقد ظهرت في تلك الفترة عده اتجاهات جديدة في الأدب وأولها المدرسة الرمزية.المدرسة الرمزية الروسيةتشكل هذا الاتجاه الأدبي في أوروبا الغربية في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. أما في روسيا فقد تأخر إلي التسعينيات من القرن نفسه. وكان يطلق عليه حينها »الفن الجديد». ويستمد هذا الاتجاه أفكاره الأساسية من النظريات الفلسفية لكانط الذي أسس نظريته الفلسفية عن العالمين: عالم الظاهر وعالم الجوهر. وهذا الأخير يقف أمامه العقل الإنساني عاجزا. كما كان للنظريات الفلسفية لكل من نيتشه وشوبنهاور تأثيرها القوي أيضا علي الاتجاه الرمزي في الأدب. وفي روسيا يعد الفيلسوف الروسي العظيم فلاديمير سولوفييف الأب الروحي لهذا الاتجاه. وكانت أولي المؤلفات الأدبية في الرمزية من نصيب الكاتب الروسي دميتري ميرجكوفسكي »الرموز» والكاتب ف. بريوسوف »الرمزيون الروس».ويتحدث الكتاب الرمزيون الروس عن عالمين: العالم الواقعي والعالم الآخر الغيبي، حتي أنهم اخترعوا كلمة بالروسية تعني هذه الثنائية. ويلعب الرمز دورا هاما في هذا المنهج الأدبي حيث يستخدم كوسيلة ووسيط بين هذين العالمين. كما يلعب إدراك الإنسان أيضا أهمية كبيرة وكذا حسه الغريزي والذي يعتبر وسيلة لإدراك العالم الغيبي. ومن السمات المميزة أيضا للرمزية الدور الهام الذي يلعبه الصوت فالأصوات تمثل للشعراء والكتاب الرمزيين أهمية أكبر من أهمية الكلمة. ومن أهم الوسائل التي يستخدمونها والتي تعد الأكثر فاعلية الإيماءات والكلمات الغريبة. ويتناقض هذا الاتجاه بشكل تام مع الواقعية. وغالبا ما يتمحور مضمون المؤلفات الرمزية حول الغيبيات والمفاهيم الفلسفية والمضامين المرتبطة بخيالات دينية. كما أن معظم الرمزيين هم من أنصار حرية الإنسان في التعبير عن مشاعره الدينية. وبشكل عام ينقسم الاتجاه الرمزي الروسي إلي فترتين زمنيتين: الأولي تضم الجيل الأكبر من الكتاب الرمزيين وهم ميرجكوفسكي ومينسكي ودوبروليوبوف وجيبوس وبالمونت وسالاجوب وبريوسوف. أما الجيل الأصغر فقد أحدث تطورا في هذا الاتجاه في بداية القرن العشرين ويضم بلوك وبيلي وسولوفييف وإيفانوف.وقد قام الرمزيون بتأسيس جمعيات أدبية وفلسفية خاصة بهم نذكر منها »الجمعية الدينية الفلسفية» و »الجمعية الأدبية الفنية» و»البعث» و»البرج» وغيرها.مدرسة الذروةبعد الضعف الذي أصاب المدرسة الرمزية ظهر اتجاه أدبي جديد في روسيا سمي بمدرسة الذروة. وكان الأدباء يطلقون عليها أيضا اسم المدرسة »الآدمية» نسبة إلي أول إنسان علي وجه الأرض. وظهرت هذه المدرسة في الفترة التي بدا فيها الرمزيون يعانون من أزمة داخلية عميقة. وقد تجسدت في مبادئ المدرسة الجديدة تلك توجهات جمالية جديدة علي العصر الفضي للأدب. ويرجع بداية ظهور كتاب الذروة إلي عام 1910م. وقد أسسها أعضاء جمعية »أكاديمية الشعر» الأدبية الفلسفية. ثم ما لبثوا أن قاموا بتأسيس جمعية خاصة بهم وأطلقوا عليها »ورشة الشعراء». ويعد كل من نيقولاي جوموليوف وسيرجي جوروديتسكي هما مؤسسا مدرسة الذروة الروسية.وقد ناصر كتاب الذروة الفلسفة البرجماتية أو فلسفة الفعل. ومن أهم المبادئ التي تقوم عليها قبول التنوع في الحياة الدنيوية والاهتمام بعالم الأشياء المحيط ورفض الخيال الديني والغيبيات واستخدام النماذج التصويرية التعبيرية بكثرة والتعبير عن العالم النفسي الداخلي للإنسان والتعبير عن الشوق للثقافة العالمية والتركيز علي معني الكلمة والسعي إلي الوصول إلي الكمال في شكل القالب الشعري.ومن بين ممثلي هذا التيار نذكر آنا اخماتوفا وسيرجي جوروديتسكي ونيقولاي جومليوف وأوسيب ماندلشتام.المدرسة المستقبلية الروسيةظهرت المدرسة المستقبلية في نفس الفترة التي نشط فيها أدباء مدرسة الذروة. وتعود التسمية إلي كلمة futurum اللاتينية وتعني »المستقبل».وتمثل هذه المدرسة اتجاها طليعيا في الفن الأوروبي خلال العقدين الأول والثاني من القرن العشرين وخاصة في كل من إيطاليا وروسيا. ويسعي أدباء هذه المدرسة إلي صناعة »فن المستقبل» ويتنكرون لتراث الماضي تماما. ودعي المستقبليون إلي نشر جماليات الانجازات البشرية الحديثة والاختراعات والمدن الصناعية الكبيرة والضخمة وجماليات الآلة والميكنة. ويعد فلاديمير خليبنيكوف وفلاديمير ماياكوفسكي من أبرز ممثلي هذه المدرسة في الأدب الروسي. ويتميز أدب هذه المدرسة بالجمع بين التوثيق والخيال وكذا التجريب اللغوي وحرية اللعب بالألفاظ. ومثلما هو الحال في جميع اتجاهات ما بعد الحداثة، اتسم هذا الاتجاه بالتناقض الداخلي. فهناك منهم من سمي نفسه بالشعراء المستقبليين التكعيبيين (خليبنيكوف ومايكوفسكي وكامينسكي) وهناك من أطلق علي نفسه»المستقبليين المتمركزين حول أنفسهم تماما» ومنهم سيفيريانين. كما ينتمي إلي هذه المدرسة شاعر روسي حصل لاحقا علي جائزة نوبل في الأدب عام 1958م وهوبوريس باسترناك. ودعت المدرسة المستقبلية إلي ثورة في الشكل بصرف النظر عن المضمون وإلي الحرية المطلقة في اختيار اللفظة الشعرية ورفض كل التقاليد الأدبية. ويتضمن البيان المعلن من قبل المدرسة، ويحمل عنوان »لطمة للذوق العام» 1912م، دعوات »لرمي» كل من بوشكين ودوستويفسكي وتولستوي من »قارب الحياة المعاصرة». غير أنهم في الأمر الواقع لم يلتزموا بهذا المبادئ تماما. في البداية قام الأدباء المستقبليون بالفعل بإعلاء الشكل علي المضمون حيث أصبح هدفا بالنسبة للشاعر وعنصرا أساسيا في العمل الشعري وكانوا يرفضون كتابه أي قصيدة تحمل فكرة.وقد دعا منظر المدرسة المستقبلية الروسية فلاديمير خليبنيكوف إلي فكرة أن اللغة التي ستسود العالم في المستقبل هي »لغة ما وراء العقل»، حيث تخلو الكلمة من المعني وتكتسب جمالا ذاتيا. وقد ابتكر خليبنيكوف كلمات جديدة واشتقاقات غير تقليدية لجذر الكلمة في محاولة منه لتوسيع حدود اللغة وإمكاناتها.المدرسة التصويرية الروسية المدرسة المستقبلية بشكل كبير علي المدرسة التصويرية الروسية ويرجع أصلها إلي الكلمة اللاتينية image أوصورة. وهواتجاه أدبي في الشعر الروسي في القرن العشرين. وأعلن ممثلو هذا الاتجاه أن الهدف من الإبداع يكمن في صناعة النموذج والصورة وتلعب فيها الاستعارة دورا كبيرا. وترجع بدايات هذا الاتجاه إلي عام 1918م عندما تأسس في موسكو »وسام التصويريين». أما مؤسسو هذا الاتجاه في روسيا فهم أناتولي مارينجوف وفاديم شيرشينيفيتش وسيرجي يسينين.وفي العشرينيات أصبح المذهب التصويري أكثر تنظيما حيث قام الأدباء بتنظيم أمسيات إبداعية ومقاهي فنية وإصدار الدواوين الشعرية. وتم إصدار مجلة خاصة بهم. كما قام التصويريون بتأسيس دور نشر خاصة بهم. كما نشط شعراء هذه المدرسة في مدن أخري كليننجراد (سان بطرسبورج) وكازان وسارانسك وغيرها. ونشط ممثلوها في إلقاء المحاضرات والمشاركة في مختلف الفعاليات العامة وقد امتدت حياة المدرسة التصويرية أكثر من غيرها من الاتجاهات الأدبية في روسيا في العصر الفضي للأدب حيث استمر هذا الاتجاه حتي عام 1925م. حيث هاجر البعض إلي الخارج فيما توجه البعض الآخر إلي النثر حتي يضمن كسب المال والعيش وكذا كتابة المسرحيات وقصص للسينيما. وكان أكثر النهايات مأساوية هي نهاية الشاعر المؤسس للمدرسة التصويرية في روسيا سيرجي يسينين والذي مات منتحرا في عام 1925م بمدينة سان بطرسبورج.المدرسة الواقعية الروسيةاتحد الكتاب الواقعيون الروس في بداية القرن العشرين في جمعية أدبية واحدة ضمت كلا من كوبرين وتيليشيف وأندرييف وفيريسايف وغيرهما. كما ترأس ماكسيم جوركي جمعية أخري تسمي »المعرفة» تولت نشر مؤلفات الكتاب الواقعيين والعمل علي الارتقاء بتقاليد الأدب الديمقراطي الثوري الذي ساد في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. وأثار جوركي في كتاباته قضايا التطور التاريخي للمجتمع ودور الإنسان الفعال والمؤثر في ذلك. ومثال ذلك رواية »الأم» حيث تتجسد بجلاء التوجهات الاشتراكية لدي الكاتب».كما سعي شباب الكتاب الواقعيين من أمثال يفجيني زامياتين وألكسي ريميزوف وغيرهما إلي ضرورة المزج بين مبادئ الواقعية والحداثة وقدموا ذلك في أعمالهم.وفي الأدب الروسي يعتبر العصر الفضي استمرارا للاتجاهات الأساسية في أدب القرن التاسع عشر والتي طرحها بوشكين في بداية القرن الذهبي للأدب الروسي وقام دوستويفسكي فيما بعد بتطوريها. وأضحت قضيه مصير روسيا وجوهرها الأخلاقي والروحي ومستقبلها الموضوع الرئيسي في إبداعات الكتاب المنتمين لمختلف الاتجاهات الفكرية والجمالية. وشهدت تلك الفترة تناميا شديدا في الاهتمام بقضايا الشخصية الوطنية وخصوصية الحياة الوطنية والطبيعة ونفسية الإنسان. وكان لكل كاتب طريقته في تناول هذه المشكلات ورؤيته الخاصة لحلها سواء من الوجهة الاجتماعية أوالتاريخية وخاصة كتاب ما سمي بالواقعية النقدية.وبشكل عام تمثل الثقافة الروسية في العصر الفضي نتاجا لطريق طويل معقد ومأساوي في الوقت نفسه. وعلي الرغم من قسوة رد الفعل من جانب سلطات الدولة والقمع الذي مارسته ضد كل الأفكار التقدمية إلا أن هذه الثقافة بقيت تتميز ببعض السمات الخاصة بها وهي الديمقراطية والإنسانية والشعبية. ويمثل العصر الفضي في الأدب الروسي خاصة والثقافة الروسية عامة تراثا ثريا ساهمت فيه أجيال متعاقبة من المبدعين (الفلاسفة والأدباء والفنانون والموسيقيون) وتعتبر مخزنا لا يقدر بثمن للثقافة الروسية بشكل عام. هو المسمي لمرحلة مهمة في تاريخ الأدب الروسي تبدأ في عام 1890م وتنتهي مع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين. كانت تلك السنوات بمثابة مرحلة انتقالية هامة في تاريخ الحياة الاجتماعية والأدبية في روسيا، وأصبح المجتمع يستشعر يوما بعد الآخر حتمية حدوث أزمة اجتماعية طاحنة، وضرورة تغيير منظومة القيم القائمة.
عاشت روسيا في منتصف التسعينيات من القرن التاسع عشر نهضة هائلة في الاهتمام بالقضايا الروحية والاجتماعية، وانعكس ذلك في الفلسفة والأدب والفنون والموسيقي والمسرح والباليه، وسمح للمعاصرين وقتها بالحديث عما يسمي »بالنهضة الروحية» في روسيا وعن بداية العصر الفضي في الأدب.
وبشكل عام اتسم الأدب في بداية القرن العشرين بالتركيز علي القضايا الفلسفية، حيث اكتسبت أي قضية اجتماعية اوجانب منها أهمية روحية وفلسفية. وكان من أهم ملامح أدب تلك الفترة: تناول قضية معني الحياة للإنسان الفرد وللبشرية كلها، والتركيز علي سمات الشخصية الوطنية والتاريخ الروسي، وسيطرة الدنيوي والسماوي علي الموضوعات المطروحة، والبحث المكثف عن وسائل فنية للتعبير، واستخدام المناهج غير الواقعية في الأدب، والتفاعل بين الأجناس الأدبية، وإعادة التفكير في ماهية الأجناس الأدبية المختلفة واستكمال ما ينقص كل منها من عناصر ومضامين.
وقد ظهرت في تلك الفترة عده اتجاهات جديدة في الأدب وأولها المدرسة الرمزية.
المدرسة الرمزية الروسية
تشكل هذا الاتجاه الأدبي في أوروبا الغربية في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. أما في روسيا فقد تأخر إلي التسعينيات من القرن نفسه. وكان يطلق عليه حينها »الفن الجديد». ويستمد هذا الاتجاه أفكاره الأساسية من النظريات الفلسفية لكانط الذي أسس نظريته الفلسفية عن العالمين: عالم الظاهر وعالم الجوهر. وهذا الأخير يقف أمامه العقل الإنساني عاجزا. كما كان للنظريات الفلسفية لكل من نيتشه وشوبنهاور تأثيرها القوي أيضا علي الاتجاه الرمزي في الأدب. وفي روسيا يعد الفيلسوف الروسي العظيم فلاديمير سولوفييف الأب الروحي لهذا الاتجاه. وكانت أولي المؤلفات الأدبية في الرمزية من نصيب الكاتب الروسي دميتري ميرجكوفسكي »الرموز» والكاتب ف. بريوسوف »الرمزيون الروس».
ويتحدث الكتاب الرمزيون الروس عن عالمين: العالم الواقعي والعالم الآخر الغيبي، حتي أنهم اخترعوا كلمة بالروسية تعني هذه الثنائية. ويلعب الرمز دورا هاما في هذا المنهج الأدبي حيث يستخدم كوسيلة ووسيط بين هذين العالمين. كما يلعب إدراك الإنسان أيضا أهمية كبيرة وكذا حسه الغريزي والذي يعتبر وسيلة لإدراك العالم الغيبي. ومن السمات المميزة أيضا للرمزية الدور الهام الذي يلعبه الصوت فالأصوات تمثل للشعراء والكتاب الرمزيين أهمية أكبر من أهمية الكلمة. ومن أهم الوسائل التي يستخدمونها والتي تعد الأكثر فاعلية الإيماءات والكلمات الغريبة. ويتناقض هذا الاتجاه بشكل تام مع الواقعية. وغالبا ما يتمحور مضمون المؤلفات الرمزية حول الغيبيات والمفاهيم الفلسفية والمضامين المرتبطة بخيالات دينية. كما أن معظم الرمزيين هم من أنصار حرية الإنسان في التعبير عن مشاعره الدينية.
وبشكل عام ينقسم الاتجاه الرمزي الروسي إلي فترتين زمنيتين: الأولي تضم الجيل الأكبر من الكتاب الرمزيين وهم ميرجكوفسكي ومينسكي ودوبروليوبوف وجيبوس وبالمونت وسالاجوب وبريوسوف. أما الجيل الأصغر فقد أحدث تطورا في هذا الاتجاه في بداية القرن العشرين ويضم بلوك وبيلي وسولوفييف وإيفانوف.
وقد قام الرمزيون بتأسيس جمعيات أدبية وفلسفية خاصة بهم نذكر منها »الجمعية الدينية الفلسفية» و »الجمعية الأدبية الفنية» و»البعث» و»البرج» وغيرها.
مدرسة الذروة
بعد الضعف الذي أصاب المدرسة الرمزية ظهر اتجاه أدبي جديد في روسيا سمي بمدرسة الذروة. وكان الأدباء يطلقون عليها أيضا اسم المدرسة »الآدمية» نسبة إلي أول إنسان علي وجه الأرض. وظهرت هذه المدرسة في الفترة التي بدا فيها الرمزيون يعانون من أزمة داخلية عميقة. وقد تجسدت في مبادئ المدرسة الجديدة تلك توجهات جمالية جديدة علي العصر الفضي للأدب. ويرجع بداية ظهور كتاب الذروة إلي عام 1910م. وقد أسسها أعضاء جمعية »أكاديمية الشعر» الأدبية الفلسفية. ثم ما لبثوا أن قاموا بتأسيس جمعية خاصة بهم وأطلقوا عليها »ورشة الشعراء». ويعد كل من نيقولاي جوموليوف وسيرجي جوروديتسكي هما مؤسسا مدرسة الذروة الروسية.
وقد ناصر كتاب الذروة الفلسفة البرجماتية أو فلسفة الفعل. ومن أهم المبادئ التي تقوم عليها قبول التنوع في الحياة الدنيوية والاهتمام بعالم الأشياء المحيط ورفض الخيال الديني والغيبيات واستخدام النماذج التصويرية التعبيرية بكثرة والتعبير عن العالم النفسي الداخلي للإنسان والتعبير عن الشوق للثقافة العالمية والتركيز علي معني الكلمة والسعي إلي الوصول إلي الكمال في شكل القالب الشعري.
ومن بين ممثلي هذا التيار نذكر آنا اخماتوفا وسيرجي جوروديتسكي ونيقولاي جومليوف وأوسيب ماندلشتام.
المدرسة المستقبلية الروسية
ظهرت المدرسة المستقبلية في نفس الفترة التي نشط فيها أدباء مدرسة الذروة. وتعود التسمية إلي كلمة futurum اللاتينية وتعني »المستقبل».
وتمثل هذه المدرسة اتجاها طليعيا في الفن الأوروبي خلال العقدين الأول والثاني من القرن العشرين وخاصة في كل من إيطاليا وروسيا. ويسعي أدباء هذه المدرسة إلي صناعة »فن المستقبل» ويتنكرون لتراث الماضي تماما. ودعي المستقبليون إلي نشر جماليات الانجازات البشرية الحديثة والاختراعات والمدن الصناعية الكبيرة والضخمة وجماليات الآلة والميكنة. ويعد فلاديمير خليبنيكوف وفلاديمير ماياكوفسكي من أبرز ممثلي هذه المدرسة في الأدب الروسي.
ويتميز أدب هذه المدرسة بالجمع بين التوثيق والخيال وكذا التجريب اللغوي وحرية اللعب بالألفاظ. ومثلما هو الحال في جميع اتجاهات ما بعد الحداثة، اتسم هذا الاتجاه بالتناقض الداخلي. فهناك منهم من سمي نفسه بالشعراء المستقبليين التكعيبيين (خليبنيكوف ومايكوفسكي وكامينسكي) وهناك من أطلق علي نفسه»المستقبليين المتمركزين حول أنفسهم تماما» ومنهم سيفيريانين. كما ينتمي إلي هذه المدرسة شاعر روسي حصل لاحقا علي جائزة نوبل في الأدب عام 1958م وهوبوريس باسترناك.
ودعت المدرسة المستقبلية إلي ثورة في الشكل بصرف النظر عن المضمون وإلي الحرية المطلقة في اختيار اللفظة الشعرية ورفض كل التقاليد الأدبية. ويتضمن البيان المعلن من قبل المدرسة، ويحمل عنوان »لطمة للذوق العام» 1912م، دعوات »لرمي» كل من بوشكين ودوستويفسكي وتولستوي من »قارب الحياة المعاصرة». غير أنهم في الأمر الواقع لم يلتزموا بهذا المبادئ تماما. في البداية قام الأدباء المستقبليون بالفعل بإعلاء الشكل علي المضمون حيث أصبح هدفا بالنسبة للشاعر وعنصرا أساسيا في العمل الشعري وكانوا يرفضون كتابه أي قصيدة تحمل فكرة.
وقد دعا منظر المدرسة المستقبلية الروسية فلاديمير خليبنيكوف إلي فكرة أن اللغة التي ستسود العالم في المستقبل هي »لغة ما وراء العقل»، حيث تخلو الكلمة من المعني وتكتسب جمالا ذاتيا. وقد ابتكر خليبنيكوف كلمات جديدة واشتقاقات غير تقليدية لجذر الكلمة في محاولة منه لتوسيع حدود اللغة وإمكاناتها.
المدرسة التصويرية الروسية
المدرسة المستقبلية بشكل كبير علي المدرسة التصويرية الروسية ويرجع أصلها إلي الكلمة اللاتينية image أوصورة. وهواتجاه أدبي في الشعر الروسي في القرن العشرين. وأعلن ممثلو هذا الاتجاه أن الهدف من الإبداع يكمن في صناعة النموذج والصورة وتلعب فيها الاستعارة دورا كبيرا.
وترجع بدايات هذا الاتجاه إلي عام 1918م عندما تأسس في موسكو »وسام التصويريين». أما مؤسسو هذا الاتجاه في روسيا فهم أناتولي مارينجوف وفاديم شيرشينيفيتش وسيرجي يسينين.
وفي العشرينيات أصبح المذهب التصويري أكثر تنظيما حيث قام الأدباء بتنظيم أمسيات إبداعية ومقاهي فنية وإصدار الدواوين الشعرية. وتم إصدار مجلة خاصة بهم. كما قام التصويريون بتأسيس دور نشر خاصة بهم.
كما نشط شعراء هذه المدرسة في مدن أخري كليننجراد (سان بطرسبورج) وكازان وسارانسك وغيرها. ونشط ممثلوها في إلقاء المحاضرات والمشاركة في مختلف الفعاليات العامة
وقد امتدت حياة المدرسة التصويرية أكثر من غيرها من الاتجاهات الأدبية في روسيا في العصر الفضي للأدب حيث استمر هذا الاتجاه حتي عام 1925م. حيث هاجر البعض إلي الخارج فيما توجه البعض الآخر إلي النثر حتي يضمن كسب المال والعيش وكذا كتابة المسرحيات وقصص للسينيما. وكان أكثر النهايات مأساوية هي نهاية الشاعر المؤسس للمدرسة التصويرية في روسيا سيرجي يسينين والذي مات منتحرا في عام 1925م بمدينة سان بطرسبورج.
المدرسة الواقعية الروسية
اتحد الكتاب الواقعيون الروس في بداية القرن العشرين في جمعية أدبية واحدة ضمت كلا من كوبرين وتيليشيف وأندرييف وفيريسايف وغيرهما. كما ترأس ماكسيم جوركي جمعية أخري تسمي »المعرفة» تولت نشر مؤلفات الكتاب الواقعيين والعمل علي الارتقاء بتقاليد الأدب الديمقراطي الثوري الذي ساد في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. وأثار جوركي في كتاباته قضايا التطور التاريخي للمجتمع ودور الإنسان الفعال والمؤثر في ذلك. ومثال ذلك رواية »الأم» حيث تتجسد بجلاء التوجهات الاشتراكية لدي الكاتب».
كما سعي شباب الكتاب الواقعيين من أمثال يفجيني زامياتين وألكسي ريميزوف وغيرهما إلي ضرورة المزج بين مبادئ الواقعية والحداثة وقدموا ذلك في أعمالهم.
وفي الأدب الروسي يعتبر العصر الفضي استمرارا للاتجاهات الأساسية في أدب القرن التاسع عشر والتي طرحها بوشكين في بداية القرن الذهبي للأدب الروسي وقام دوستويفسكي فيما بعد بتطوريها. وأضحت قضيه مصير روسيا وجوهرها الأخلاقي والروحي ومستقبلها الموضوع الرئيسي في إبداعات الكتاب المنتمين لمختلف الاتجاهات الفكرية والجمالية. وشهدت تلك الفترة تناميا شديدا في الاهتمام بقضايا الشخصية الوطنية وخصوصية الحياة الوطنية والطبيعة ونفسية الإنسان. وكان لكل كاتب طريقته في تناول هذه المشكلات ورؤيته الخاصة لحلها سواء من الوجهة الاجتماعية أوالتاريخية وخاصة كتاب ما سمي بالواقعية النقدية.
وبشكل عام تمثل الثقافة الروسية في العصر الفضي نتاجا لطريق طويل معقد ومأساوي في الوقت نفسه. وعلي الرغم من قسوة رد الفعل من جانب سلطات الدولة والقمع الذي مارسته ضد كل الأفكار التقدمية إلا أن هذه الثقافة بقيت تتميز ببعض السمات الخاصة بها وهي الديمقراطية والإنسانية والشعبية. ويمثل العصر الفضي في الأدب الروسي خاصة والثقافة الروسية عامة تراثا ثريا ساهمت فيه أجيال متعاقبة من المبدعين (الفلاسفة والأدباء والفنانون والموسيقيون) وتعتبر مخزنا لا يقدر بثمن للثقافة الروسية بشكل عام.