محمد نصر الدين الجبالي أستاذ الأدب واللغة الروسية في كلية الألسن جامعة عين شمس، ورئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة آسيا وأفريقيا التي تصدرها أكاديمية العلوم الروسية، تمثل أعماله جسراً للتواصل بين الثقافتين العربية والروسية، لا سيما أن هناك مساحات ثقافية وفلسفية ودينية وروحانية وسياسية واقتصادية واسعة يمكن الحوار العقلاني حولها والاتفاق معاً على رسم استراتيجية تعاون وشراكة بين الطرفين اللذين يشكلان مختبراً ساخناً لحوار أو تصارع الثقافات والأديان والمصالح.
ترجم الجبالي أعمالاً عدة مهمة من الروسية إلى العربية منها: رحلات ابن بطوطة في آسيا الوسطى، موسوعة تاريخ الحج من البلدان الإسلامية عبر العالم، الأدب الروسي في المنفى، الأدب الشعبي عند العرب والترك، معجم المصطلحات السياسية والاقتصادية، الطهارة في الإسلام. كما ترجم إلى الروسية روايتي عزازيل والنبطي للروائي المصري يوسف زيدان. هنا حوار معه:
– لماذا اخترت التخصص بالأدب والثقافة الروسية؟
– كان حبي للأدب الروسي والثقافة الروسية هو الدافع الأول لاختيار هذه اللغة. فقد كان أمامي عند التحاقي بكلية الألسن جميع الخيارات لاختيار أي من لغات الكلية. لكن إعجابي بالثقافة الروسية دفعني دفعاً إلى ذلك. وفي التسعينات لم يكن بيت في مصر يخلو من كتاب لأديب روسي مترجم إلى العربية. والحمدلله لست نادماً على الإطلاق.
-رغم أن ثلثي مساحة روسيا تجاور بلدان آسيا، وروسيا محسوبة على الشرق إلا أن تغلغل الثقافة الروسية ضعيف مقارنة بالثقافة الغربية.
– في رأيي المتواضع، يرجع ذلك إلى العامل الجغرافي أولاً، ثم إلى حقبة الاستعمار الطويلة التي عاشها العالم العربي فبقيت شعوب كثيرة مرتبطة بثقافة المستعمر حتى بعد تحررها. وهناك عامل آخر يتعلق بعدم سعي روسيا إلى نشر نفوذها الثقافي في منطقتنا فكان جل اهتمامها مركزاً نحو الجنوب في آسيا الوسطى والمركزية وكذا نحو أوروبا. وأخيراً لعب الصراع الروسي – التركي الطويل دوراً مهماً في ابتعاد روسيا من الشرق العربي والإسلامي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
– ما أكبر مشكلة تواجه ترجمة الأدب العربي إلى الروسية؟
– أهم مشكلة هي غياب المؤسسات التي تعنى بالترجمة في الجانبين، حيث تبقى المحاولات فردية وكل مترجم يعمل في زاويته، وهو ما يؤثر بالطبع في عملية الترجمة سواء كماً أو كيفاً.
– لماذا لا يوجد دعم من الحكومة الروسية لموضوع الكتب والنشر؟
– أعتقد أن هذه الخطوة آتية وفي القريب العاجل. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والصعوبات الاقتصاديه، عانت اللغة الروسية والترجمة من نقص التمويل. لكن الفترة الأخيره شهدت دعماً قوياً لنشر اللغة الروسية في العالم من جانب الحكومة الروسية، وهناك بوادر لطرح مشاريع لترجمة عشرات الأعمال من الروسية إلى العربية بالتعاون بين المؤسسات في الجانبين.
– ما فلسفة اختياراتك لترجماتك؟
– في المقام الأول أختار العمل الذي أستمتع بترجمته. فالترجمة عمل إبداعي وليس محض نقل من لغة إلى أخرى. وأفضل مجالي الأدب والتاريخ وأجدهما الأكثر امتاعاً وإفادة للقارئ والمترجم.
– هل تؤيد نظرية تدخل المترجم لنقل روح النص؟
– مؤكد، بل من واجبه أن ينقل روح النص والسعي إلى تحقيق هذا الهدف قدر الإمكان. ولكن يجب أن يضع المترجم نصب عينيه ألا يكون ذلك على حساب النص، فالأولوية لنقل النص بموضوعية ومن دون فاقد أو بالحد الأدنى. ويجب هنا أن نميز بين صنفين من الكتب: الكتب العلمية، والتي لا يتدخل فيها بأي حال من الأحوال والأعمال الإبداعية كالأدب شعراً ونثراً وهنا يتطلب الأمر مترجماً متميزاً وفي المقابل أكثر حرية.
– معظم الترجمات المنتشرة في العالم العربي لرموز الثقافة والأدب الروسي الكلاسيكيين. ماذا عن الحركة الأدبية الجديدة في روسيا؟
– يعيش الأدب الروسي مرحلة انتقالية جديدة في تاريخه تشبه تلك التي عاشها في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انتقال الأدب الروسي من مرحلة سيطرت فيها الرقابة على الإبداع في الحقبة السوفياتية إلى مرحلة جديدة استفاد فيها الأدب كغيره من الفنون من أجواء حرية التعبير.
ومن أهم الاتجاهات الأدبية المعاصرة في روسيا «ما بعد الحداثة»، ويتمثل في إعادة تقويم المعايير الجمالية ومزج الأساليب واللغات والثقافات والاقتباسات الساخرة من التجارب الفنية العالمية. وعلى رغم أن الاتجاهات الحديثة في الأدب الروسي تخطت مرحلة ما بعد الحداثة وتمضي قدماً إلا أن هذا الاتجاه ما زال صامداً، بخاصة بين النخبة من المثقفين.
والأدب الروسي المعاصر يعيش مرحلة البحث عن الهوية ويحاول إثبات قدرات الأدباء الجدد ومواهبهم على مواصلة التقاليد العظيمة في الأدب الروسي وتحقيق اكتشافات إبداعية جديدة. كما يمكن القول أن وفرة الكتاب الشباب الواعدين يبعث على التفاؤل بمستقبل الأدب الروسي خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
– ترجمت أعمال الروائي يوسف زيدان إلى الروسية… كيف استقبل القارئ الروسي هذه الترجمات؟
– قمت بترجمة روايتين للأديب المصري يوسف زيدان إلى اللغة الروسية وهما «عزازيل» وصدرت الترجمة عن دار نشر استرال الروسية في بداية عام 2013، ونالت شهرة واسعة ونفدت الطبعة الأولى من الأسواق خلال عام واحد. وقد نشرت الكثير من المقالات الصحافية حول الترجمة، لا سيما أن هناك رواية روسية تحمل الاسم نفسه للأديب الروسي بوريس أكونين وظهرت بعض الدراسات المقارنة بين الروايتين بالروسية. أما الرواية الثانية التي قمت بترجمتها فهي «النبطي» وصدرت عن دار نشر «أنباء روسيا» في صيف 2015. ونشرت مجلة «آسيا وأفريقيا اليوم» الروسية فصلاً كاملاً من الترجمة قبيل صدور الرواية.
– ترجمت كتاب «الأدب الشعبي عند العرب والترك»… كيف ترى التأثير والتأثر بين هذين الأدبين؟
– المقصود هنا أدب الشعوب الناطقة بالتركية في مناطق آسيا الوسطى وهي الجمهوريات التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق وهي: تركمنستان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وآذربيجان وطاجيكستان. ويرتبط تاريخ تشكيل العلاقات الفولكلورية العربية – التركية بعملية انتشار الإسلام في منطقة آسيا المركزية. كما ساعد التشابه في نمط الحياة والمعتقد والعادات بين الشعوب الناطقة بالتركية والعرب الذين استوطنوا آسيا المركزية على اكتساب الفولكلور العربي المضامين التقليدية في الفنون الملحمية للفولكلور التركي.
هناك نماذج للفولكلور العربي نجدها في المؤلفات التركية الإرشادية والتهذيبية والشعر والتعليم والتاريخ والجغرافيا والطب والدين والفلك.
وقد ساعد انتشار الكتب الأدبية والعلمية والمؤلفات الأدبية المكتوبة باللغة العربية وكذا انتقال مضامين فنون النثر الشعبي الشفهي العربي بين شعوب آسيا المركزية في إيجاد طبقة عربية في منظومة مضمون الأساطير الدينية الشعبية التركية.
نشأ التشابه بين التقاليد الحكائية العربية والتركية عبر طريقين في الأساس، إذ استوعبت التربة الملحمية التركية مضمون الحكايات الشعبية العربية من طريق الأداء الكلامي الشفهي وكنتيجة لترجمة مجموعة «ألف ليلة وليلة» إلى لغات شعوب آسيا المركزية.
وبتحليل منظومة مضامين الحكايات الشعبية العربية والتركية كشف الكتاب عن منظومة الموتيفات المشتركة بين فولكلور الشعبين من الوجهتين التاريخية والبنيوية. ومن وجهة النظر التاريخية الوراثية هناك موتيفات في الحكايات الشعبية التركية تنتمي أيضاً إلى الفولكلور العربي. كما شهدت عملية التطور التاريخي الارتقائي للعلاقات الفولكلورية العربية – التركية انتقال مضامين بعض الحكايات العربية كاملة إلى إبداعات القصاصين والرواة الأتراك.
– شاركت في مشروع «موسوعة الحج والحرمين الشريفين» بترجمة ثلاثة كتب حتى الآن… ما أهميه هذا المشروع؟
– موسوعة الحج والحرمين الشريفين عمل موسوعي ضخم تشرف عليه دار الملك عبدالعزيز التاريخية ويهدف إلى رصد تاريخ الحرمين الشريفين وتاريخ الحج من البلدان الإسلامية عبر العالم. وقد شرفت بترجمة ثلاثة أجزاء من الموسوعة، وهي «تاريخ الحج من أوزبكستان» و «تاريخ الحج من تركمنستان» و «تاريخ الحج من طاجيكستان» وتحتوي هذه الكتب على معلومات غاية في الأهمية عن تاريخ الحج من هذه البلدان، حيث كان الحجاج يصفون البلاد التي يعبرونها في طريقهم إلى مكة، كما تحتوي الكتب على مخطوطات مهمة ونادرة.
– بم تنصح من يريد تعلم اللغة الروسية؟
– النصيحة الأهم هي أن يحب اللغة الروسية ويستمتع بتعلمها. وأنصحه أيضاً بأن ينمي القدرة على التذكر لديه وهناك تدريبات خاصة لذلك فهذه القدرة جد مهمة لدارسي اللغة عموماً. أنصحه أيضاً بتنويع مصادر معرفته وأن يقرأ في كل شيء فالمترجم الناجح هو الشخص الموسوعي ولا يكفي فقط كي تصبح مترجماً ناجحاً أن تتقن اللغة فقط. ثم يجب على الدارس أن يعيش أجواء اللغة كلما أمكن ذلك ولا يكتفي بالتواصل مع الكتاب الورقي وحده، بل يجب عليه أن يدعم مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة لديه طوال الوقت وذلك من خلال مشاهدة المواد الإذاعية والفيلمية والتواصل مع أهل اللغة في شكل مستمر.
– ما هو مشروعك الترجمي الحالي؟
– أعمل حالياً على ترجمة كتاب في عنوان «حوار الحضارات… روسيا والعالم الإسلامي»، وأتوقع أن يصدر قبل نهاية هذا العام. ومؤلفه هو سعادة السفير الروسي في سلطنة عمان أنور بيك فاظليانوف. ويتناول الكتاب العلاقة بين روسيا والعالم الإسلامي، خصوصاً بعد انضمام روسيا إلى منظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب. كما يحلل الكاتب أسباب التقارب وآفاق التعاون بين الجانبين.
– تم اختيارك مستشاراً لمجلة علمية تصدر عن أكاديمية العلوم الروسية منذ عامين. وترأس حالياً الطبعة العربية للمجلة… حدثنا عن التجربة؟
– تجربة إصدار طبعة عربية من مجلة «آسيا وأفريقيا اليوم» الروسية هي تجربة جديرة بالاهتمام، وكانت البداية عندما تم ترشيحي للعمل مستشاراً دولياً للمجلة التي تصدر عن أكاديمية العلوم الروسية وتعنى بقضايا قارتي آسيا وأفريقيا، ومن ضمنها قضايا الشرق الأوسط. ثم اقترح عليَّ مدير دار نشر «أنباء روسيا» الدكتور حسين الشافعي فكرة إصدار طبعة عربية للمجلة. وقمنا بعرض الفكرة على رئيس تحرير المجلة الأكاديمي الشهير آلكسي فاسلييف بإمكان إصدار ملحق للمجلة باللغة العربية يضم ترجمة لأهم المقالات التي ترد في الطبعة الأصلية. وقد صدر بالفعل عددان من المجلة ويتم التحضير لإصدار العدد الثالث.
– ما هي مشاريعك المستقبلية في مجال اللغة الروسية والأدب؟
– آمل بأن أتمكن وزملائي أساتذه اللغة الروسية بمواصلة ترجمة ونقل أهم الكتب بين اللغتين وأن نعمل جاهدين على ترسيخ جسور التواصل بين الثقافتين ففي ذلك بلا شك مصلحة لشعوبنا.
للإطلاع على مصدر الخبر :