نشأة وتطور أدب الطفل في روسيا
كتب : د. محمد نصر الجبالي .
افتقد الأدب الروسي في القرون الوسطي إلي كتابات عن الطفل وذلك نظرا لأن الأدب في تلك الفترة كان مرتبطا بالكنيسة وكانت معظم المؤلفات لرجال دين التزموا بقواعد وقوانين صارمة في الكتابة ولأهداف محددة. ولم تعرف تلك الفترة فكرة تصنيف الأدب وفق أعمار القراء. وكان الطفل ينظر إليه بوصفه نسخة مصغرة من الشخص البالغ، واستخدمت في تلك الفترة المؤلفات الكنسية وخاصة كتب المزامير ككتب تعليمية للأطفال.
ويعتقد الباحثون أن الفترة بين القرنين 15-16 قد شهدت أولي الكتابات عن الطفل في روسيا حينما أدرك الناس أهمية تلك الفترة من عمر الإنسان. وشهدت تلك الفترة علمنة للكتابات الأدبية وتخليصها من الموتيفات الدينية والكنسية التي هيمنت لقرون. كانت المؤلفات الأولي عن الطفل في روسيا عبارة عن مخطوطات تحمل مضامين تربوية وتهذيبية وتنويرية. ونذكر منها »كتاب في وصف القواعد وبناء الكلمة» لمؤلفه فيودور كوريتسين، وكتاب »الحكايات الشعبية» للكاتب ديميتري جيراسيموف وصدر في نهاية القرن الخامس عشر. وفي بداية القرن السادس عشر صدر كتاب »حكاية الحكم السبعة» حيث يتم تجسيد كل حكمة لتتحدث وتحكي عن مزاياها. وهناك أكثر من عشرة كتب أخري عن الطفل صدرت في الفترة ذاتها.
ولا يمكن أن نتجاهل أهمية الأدب الشعبي والذي أثري أدب الطفل وكان له تأثيره القوي علي تطور الكتابة للطفل لاحقا.
أما أول كتاب مطبوع عن الطفل فكان »الفبائية» للكاتب إيفان فيودوروف وصدر في مدينة لفوف في عام 1574. ثم شهد أدب الطفل في روسيا تطورا كبيرا عندما تحول من أدب تعليمي إرشادي إلي أدبي فني وعلمي .
وشهد الأدب الروسي صدور كتب للأطفال الأكبر سنا وكان منها من يهدف للتسلية ومنها ما هو وتعليمي وتربوي كما ظهرت للمرة الأولي مؤلفات شعرية للطفل. وارتبطت أول أشعار الطفل في روسيا باسم المحرر في مطبعة موسك وفاسيلي فيودوروفيتش بورتسيف. ويرجع الفضل له في تأليف 16 كتابا تعليميا للأطفال في روسيا.
كما شهدت العقود الأولي من القرن السابع عشر صدور العديد من الكتابات النثرية للأطفال. وانتشرت ظاهرة تبسيط العلوم والمؤلفات الخاصة للكبار لتصبح سهلة الفهم علي الطفل. كما تم فعل الشيء نفسه مع القصص الأدبية حيث تم تبسيطها واختصارها للأطفال ونذكر منها : »حكاية قازاق الدون» و»قصة بطرس وفيفرونيا» وغيرهما.
تمثل إبداعات الكاتب سيميون بولوتسكي مرحلة هامة في تطور أدب الطفل الروسي. ولد الكاتب في عام 1626 وتوفي عام 1680. وقد عمل لفترة طويلة مربيا لأبناء القيصر ألكسي ميخايلوفيتش. و تم جمع تراثه في كتابين » كتاب الشعر» (1680) وهو يضم أشعارا عن مختلف الأحداث التي عاشتها الأسرة الحاكمة وجزء منها من وجهة نظر أطفال الأسرة. أما الكتاب الثاني فهو بعنوان »مدينة فيتراجراد زاهية الألوان» والذي يعتبر موسوعة شعرية ويتضمن الكثير من قصص الحيوان والكائنات الخيالية والأحجار الكريمة والنوادر وأشعار الطبيعة والقصص الشعرية.
وفي تسعينيات القرن السابع عشر صدرت ثلاثة كتب للأديب قاريون ايستومين : »الفبائية مصورة» (1694) و»حياة، وخدمة يوحنا المحارب» (1694) و»الفبائية» (1696) . كما قام بكتابة عدد مخطوطات أشهرها » عن العلوم الإثني عشر وأسرار العالم والكنيسة» و »مدينة بوليسيس – مدينة مملكة السماء والتلميذ النجيب ».
ومع تولي القيصر بطرس الأكبر شهدت حركة الترجمة من اللغات الأوربية إلي الروسية ازدهارا كبيرا وتم ترجمة الكثير من كتب الأطفال في أوروبا الي الروسية ومنها كتاب »دون كيشوت » لسيرفانتيس وكتاب »رحلات غوليفر» لجوناثان سويفت و»روبنسون كروزو» لدانييل ديفو وغيرها. غير أن هناك تحولا كبيرا في وظيفة كتابات الطفل حينها حيث لم يعد دورها دينيا إرشاديا أو حتي للتسلية بل تم توظيفها لتحقيق مصالح الدولة وخلق جيل جديد من الموظفين الحكوميين. وأصدر الكاتب فيوفان بروكوبوفيتش كتابه للأطفال بعنوان »التاريخ الروسي المختصر» وكتاب »قواعد السلوك للأطفال».
شهدت تلك الفترة وضع أطر وقواعد للكتابة للطفل حيث اتسمت مؤلفات الأطفال بقصر الحجم وبساطة اللغة وكثرة الحوارات والمغامرات والخاتمة السعيدة حيث ينتصر الخير دائما علي الشر .
كما شهد أدب الطفل طفرة هائلة في عصر الإمبراطورة يكاترينا الثانية (1762-1796) والتي عرف عنها سعيها الحثيث لنشر التنوير والتربية حتي أنها قامت بنفسها بكتابة العديد من المقالات التربوية وحكايات أطفال لحفيدها ألكسندر. كما اتسمت أشعار الطفل في تلك الفترة أيضا بالطابع التنويري والتهذيبي والإرشادي ونذكر منها أشعار أ. سوماركوف .
كما شهدت حقبة الإمبراطورة يكاترينا الثانية أيضا صدور العديد من كتب الأطفال التي تحتوي علي كم زاخر من المعلومات والمعارف بهدف توسيع مدارك الأطفال عن العالم المحيط . وفي عام 1769 صدر كتاب »القواعد الروسية العامة» لمؤلفه ن. كورجانوف وكتاب موسوعي للأطفال فوق العشر سنوات. كما صدر كتاب للكاتب أ. بولوتف بعنوان »فلسفة الطفل وحوارات عن الأخلاق بين سيدة وأطفالها». كما أبدع الأديب إشعارا ومسرحيات لمسرح الطفل.
وفي عام 1777 صدرت موسوعة »مكتبة الطفل» لأستاذ علوم التربية الألماني إ. كامبي والتي تمت ترجمة الكثير منها الي اللغة الروسية. وتم استلهام الكثير من المضامين منها وإعادة صياغته بروح روسية. وقام بترجمة وروسنة النص الكاتب أ. شيشكوف وأطلق علي الكتاب عنوان »مكتبة الطفل ومجموعة قصص وحكايات وحوارات وأساطير للأطفال شعرا ونثرا مترجمة الي الروسية» ويعد الكتاب أول مجموعة مختارة كبيرة الحجم لأدب الأطفال فوق العاشرة من العمر.
وشهد الربع الأخير من القرن الثامن عشر صدور أول مجلة للطفل في روسيا بعنوان »كتاب القراءة للأطفال لتغذية العقل والقلب». وتولي رئاسة تحرير المجلة الكاتب إ. نوفيكوف. وصدرت المجلة بشكل دوري أسبوعيا في الفترة من 1785-1789 وكانت مخصصة في المقام الأول للأطفال في المرحلة العمرية من 6-12 سنة. واحتوت المجلة علي الكثير من المقالات والقصص والقصص القصيرة والمسرحيات والحكايات والفكاهات والألغاز وغيرها من المواد التي تهم الطفل وتميزت المجلة بمواكبتها للعصر كما اتسمت لغتها بالسلامة والدقة. وشهدت تلك الفترة ازدهار تيار السينتمنتالية في الأدب وهو ما كان له عظيم الأثر علي ما تطرحه المجلة حيث لوحظ تغليب المشاعر والقلب علي العقل في إبداعات كتاب المجلة وهي السمة المميزة لهذا التيار. وقام رائد هذا التيار في روسيا ن. كارامزين بالإسهام في الكتابة للأطفال حيث قام بترجمة وتأليف حوالي 30 مؤلفا للأطفال نذكر منها قصة »يفجيني ويوليا» وحكاية »الغابة الناعسة» و»الحكيم إليا» وغيرها. كما اعتبر بعض النقاد قصته الشهيرة »ليزا المسكينة» في عداد قصص الأطفال في تلك الفترة. واتسمت إبداعات الكاتب للأطفال بسعيه لصبغ الإنسان بصبغة مثالية وكذا التغني بجمال الطبيعة وتجميل صورتها . كما اتسمت أيضا بالاهتمام الكبير بالعالم الداخلي للأبطال وبالعلاقات المتبادلة فيما بينهم.
وقد اعترف كارامزين بقيمة وأهمية أدب الطفل وإمكانية استخدامه بهدف التسلية للكبار. أولع القراء من مختلف الأعمار بقراءة الحكايات الروسية للكتاب م. شولكوف وف. ليفشين وغيرهما.
واتسمت الحكاية الروسية في عصر السينتمنتالية بالمزج بين التفاصيل العلمانية والشعبية والروسية والأوربية والقديمة ومن القرون الوسطي . كما ظهرت الحكايات التي تتضمن عناصر تحليل نفسي وتتناول الصراع الأخلاقي والمتناقضات الفلسفية كالخير والشر علي سبيل المثال.
كما شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر انخراط الكثير من الكتاب والشعراء الروس في الكتابة للأطفال ولعل أشهرهم ميخائيل لومونوسوف وأ. سوماروكوف وج. ديرجافين وإ.دميتريف وغيرهم. غير أن تلك الحقبة اتسمت بنقل الكثير من المضامين والأفكار من الغرب وخاصة من الأدب الفرنسي.
وهكذا يمكن القول إن لأدب الطفل جذوراً قديمة في روسيا تعود الي القرن الخامس عشر الميلادي، وأنه تحول تدريجيا عبر القرون من أدب ديني كنسي إلي أدب تنويري ليبرالي بعد النهضة التي شهدتها روسيا في عصر القيصر بطرس الأول.
وفي الجزء الثاني من هذا المقال سنتناول تطور أدب الطفل في روسيا في القرنين التاسع عشر والعشرين.
للإطلاع على مصدر المقال أضغط على الرابط التالي https://adab.akhbarelyom.com/newdetails.aspx?sec=%D8%B4%D8%B1%D9%82%20%D9%88%D8%BA%D8%B1%D8%A8&g=8&id=440330