«المسكوبية» يرصد حاضر ومستقبل الترجمة الروسية-العربية بعيون مترجم “زمن النساء”
نشرت بواسطة: admin
في Uncategorized
يونيو 21, 2018
547 زيارة
القاهرة | «عملة صعبة»… هكذا يمكن وصف المترجمين العرب للأدب الروسي، فعددهم ليس كبيراً، ولكن ثمة مهمة كبرى ينجزونها، لعلّ أبرزها بناء جسور أدبية تساهم في التقارب الثقافي أولاً، والمعرفي ثانياً.
من بين هؤلاء المترجمين د. محمد نصر الجبالي، أستاذ ورئيس قسم اللغة الروسية في كلية الألسن في جامعة عين شمس المصرية.
للجبالي إسهامات قوية في الترجمة، ومن أبرز مترجماته الرواية الحاصلة على «البوكر» الروسية «زمن النساء» ليلينا تشيجوفا، وكتاب الأدب الشعبي عند العرب والترك، بالإضافة إلى ترجمة روايتي د. يوسف زيدان «عزازيل» و«النبطي»، وهو يعد واحداً من أهم مترجمي اللغة الروسية في الوطن العربي.
«المسكوبية» أجرى حواراً شاملاً مع الجبالي حول حاضر ومستقبل الترجمة الروسية- العربية:
لنبدأ بلمحة تعريفية عن بداية حركة الترجمة الروسية-العربية.
بدأت حركة الترجمة من الروسية إلى العربية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، فترجمت معظم الكلاسيكيات إلى العربية. عاب ذلك أن الترجمة كانت تتم عبر لغة وسيطة – الانكليزية أو الفرنسية – أو من خلال طلاب من الإرسالية الروسية التي تم إنشاؤها في القدس، وكانت معرفتهم بالعربية ضعيفة، فجاءت ترجماتهم في معظمها قاصرة أو مشوهة.
رواية زمن النساء
وبرغم قصور الترجمة في هذه الفترة إلا أنها أسست لحركة الترجمة من الروسية إلى العربية ككل، وساهمت في الإضافة إلى المسرح المصري، فالعديد من الروايات الروسية المترجمة تم تحويلها إلى مسرحيات.
ما هي العوامل التي ساهمت في تطورها؟
تطور حركة الترجمة قديماً كان مدفوعاً بتقارب عربي-سوفياتي كبير. هذا التقارب السياسي صاحبه أيضاً اهتمام بترجمة الآداب الروسية إلى العربية، واضطلعت دور نشر روسية وعربية بمهمة نقل وترجمة عدد من الأعمال المختارة، وسط دعم حكومي.
لم يقتصر الأمر على الترجمة من الروسية إلى العربية، بل شهدت هذه الفترة ترجمة العديد من الأعمال العربية إلى الروسية أيضاً، غير أن عيباً خطيراً ظل قائماً، وهو أن أشهر الترجمات التي يقرأها القارئ العربي مترجمة عن طريق لغة وسيطة. د. سامي الدروبي مثلاً كان يترجم عن الفرنسية، وليس عن الروسية.
هل ترى ضرورة لإعادة ترجمة أعمال الدروبي من الروسية مباشرة؟
بداية يجب أن نشيد بما قدم الدكتور سامي الدروبي للأدب العربي. جميعنا مدينون له. هو مترجم عظيم وبذل مجهوداً إعجازياً، لكن الترجمة عن لغة وسيطة تجعل النص يفقد جزءاً منه مرتين، مرة وهو يترجم من الروسية إلى الفرنسية، ومرة وهو يترجم من الفرنسية إلى العربية.
وأنت حين تقرأ بعض الأعمال بلغتها الأصلية تجد الكثير من المشاكل في النص. وعلى سبيل المثال فإن ترجمة رواية «المعطف» لغوغول فيها قصور كبير. بالطبع لا أحمل الدكتور سامي الدروبي مسؤولية هذا القصور، فالرجل يحاسب على ترجمته للنص الفرنسي، وليس الروسي، ولكن كإجابة على السؤال، نعم يجب أن تعاد الترجمة من الروسية مباشرة.
حدثنا عن أسباب تراجع حركة الترجمة الروسية–العربية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
في الحقيقة هناك أكثر من عامل. على المستوى السياسي لم تعد العلاقات العربية- السوفياتية على نفس المستوى، ومصر توجهت أكثر نحو المعسكر الغربي، وتراجعت حركة الترجمة من الروسية وإليها، نتيجة للتوجه السياسي. لكن سوريا أبقت على علاقتها القوية مع الاتحاد السوفياتي، وعلى الرغم من ذلك شكلت الأزمة الاقتصادية عائقاً أمام أي دعم سوفياتي للأدب حينها. هذه الظروف الاقتصادية الصعبة أثرت بدورها على الأدب، وحركة الطباعة والنشر أصبحت أقل، لأن الناس أصبحوا منشغلين أكثر بالأزمة، وبالتالي انهارت حركة الترجمة.
في اعتقادك متى عاد الأدب الروسي إلى المنطقة العربية؟
خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأت المؤسسات العربية تعود مرة أخرى إلى روسيا، وزاد الاهتمام بعملية الترجمة، وهذا طبيعي نتيجة لما تملكه روسيا من روابط قوية جداً في الوقت الحالي مع المنطقة العربية.
التقارب المصري الروسي بشكل خاص، والتقارب العربي الروسي بشكل عام، على كل الأصعدة، دفع بهذه الحركة إلى الأمام، وهناك مؤسسات عربية كثيرة تترجم حالياً الأعمال الروسية، وأقصد هنا الترجمة في معناها العام، وتشمل كل أنواع الكتب، وليس فقط الروايات أو الأعمال الأدبية.
هل أنت مع مصطلح الانقلاب الأدبي المعاصر على الإرث القديم؟
لن تجد أديباً روسياً معاصراً، إلا وتأثر بالأدباء الروس العظام، ولكن الأدب الروسي المعاصر مختلف عن الأدب القديم بكل تأكيد، فهو ينتمي إلى تيار ما بعد الحداثة، ويميل إلى التجريب، والتحرر من قيود الواقعية، لصالح خلط الأجناس الأدبية المختلفة، فهو أدب مختلف، ولكنه متأثر بقوة بما سبقه.
على ذكر هذا الاختلاف ما تقييمك للأدب الروسي المعاصر مقارنة بالأدب الكلاسيكي؟
الأدب الكلاسيكي أعظم بكل تأكيد، ولكن هذه ليست أزمة الأدب الروسي وحده، وإنما أزمة عالمية، فالأدب اليوم بشكل عام أقل مما كان عليه وقت نهضته في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين.
ما هو موقع الأدب الروسي الآن وسط حركة الأدب العالمي؟
يظل من أهم الآداب العالمية بكل تأكيد، ولكنه ما زال يعاني مقارنة بما كان عليه من تصدر لمشهد الأدب العالمي في السابق.
وهل الأدب المعاصر يعبر بواقعية عن المجتمع الروسي؟
بالطبع يعبر عن المجتمع الروسي، حتى الاتجاهات التجريبية الحالية هي تعبير عن الرغبة في التجريب، والتنوع الشديد الذي يعيشه الشعب الروسي حالياً.
ما هي المعوقات التي تؤثر على عمل المترجمين العرب من الروسية وإليها؟
كل شيء تقريباً يقع على عاتق المترجم: اختيار الكتاب الجيد، التواصل مع المؤلف للحصول على حقوق النشر، التفاوض مع المؤلف، التفاوض مع دور النشر، ثم أخيراً الترجمة، وهذا مرهق للغاية، ويحمّل المترجمين أعباءً إضافية، وفي النهاية يكون المردود المالي ضعيفاً للغاية مقارنة بكل هذا الجهد، وبالتالي فإنّ المترجمين في حاجة إلى الدعم على كل المستويات.
ما الذي تحتاجه حركة الترجمة الروسية-العربية لتكون جسراً بين روسيا والمشرق العربي؟
أعتقد أننا في حاجة إلى مشروع متكامل للترجمة، يبتعد عن الجهد الفردي الحالي، لصالح جهد منظم ومؤسسي يستهدف ترجمة أعمال وسلاسل محددة مسبقاً، ويساعد المترجم في الحصول على حقوق ترجمتها، ونشرها، بالإضافة إلى تقدير جهد المترجم مادياً بالشكل اللائق، وتوجيه جوائز الترجمة إلى المترجمين عن لغات مثل الروسية والصينية وغيرها، وألا تكون الجوائز حكراً على الترجمة من الانكليزية.
من المسؤول عن تراجع ترجمة الأعمال الروسية المعاصرة؟
القطاع الخاص متواجد، ولا يمكن اتهامه بالعزوف عن المشاركة في حركة الترجمة الروسية-العربية، ولكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المؤسسات الحكومية الكبرى أولاً. على سبيل المثال، فإنّ المركز القومي للترجمة في مصر ترجم آلاف الكتب، ولكن نصيب الكتب الروسية منها قليل جداً. هناك اهتمام أكبر بالترجمة عن الإنجليزية، لابد من دعم حركة الترجمة من الروسية والصينية واليابانية والكورية وغيرها، فهذه الثقافات مهمة للغاية وغير معروفة للقارئ العربي، ولا يمكن ترك الأمر للقطاع الخاص، لأنه يستهدف بالأساس الربح والمكسب المادي وهذا طبيعي.
على الجانب الآخر، كيف ترى حركة الترجمة من العربية إلى الروسية؟
الروس أكثر نشاطاً في مسألة ترجمة الآداب العربية. تكاد لا توجد رواية عربية مهمة تصدر إلا ولها ترجمة روسية، وهناك العديد من الأقسام العربية في الجامعات الروسية، والمهتمة جداً بأمر الترجمة من العربية.
ما سر اختيارك لروايتي يوسف زيدان لترجمتهما إلى الروسية؟
بعد حصول رواية «عزازيل» للدكتور يوسف زيدان على جائزة «البوكر» العربية، جعلتها موضوعا لبحث جامعي يقوم على المقارنة بينها وبين رواية روسية أخرى بالاسم ذاته. وأثناء عملي جاءتني فكرة ترجمة الرواية بشكل كامل. تواصلت بعدها مع الدكتور يوسف زيدان فرحب ومنحني حقوق الترجمة، ثم مع دار «استرال» الروسية التي رحبت بنشر الرواية، وبالفعل نشرت وحققت نجاحاً نقدياً كبيراً جداً هناك، ونفدت كل نسخها أيضاً، الأمر الذي شجعني بعد ذلك على ترجمة النبطي.
ما هو الاختلاف في الترجمة من العربية إلى الروسية؟
الترجمة من العربية إلى الروسية أصعب بكل تأكيد، وهي تحتاج إلى محرر أدبي روسي لمراجعة النص وجعله أقرب إلى الشعب الروسي. ولكن برغم كل الصعوبات، ما زلتُ أرى أننا الأقدر كعرب على ترجمة النصوص من العربية إلى الروسية، لأننا الأكثر فهماً للنص العربي، وروحه، ومقاصده.
ما هو ملخص رؤيتك لمستقبل الترجمة الروسية- العربية؟
الحقيقة يوجد الكثير من الطلاب المبشرين، والذين سيثرون حقل الترجمة قريباً جداً، بشرط أن يتوفر لهم الدعم اللازم، وأن يجدوا المؤسسات التي ترعى موهبتهم، وبشكل عام أنا متفائل بمستقبل الترجمة.
للإطلاع على مصدر الخبر :
http://www.moscobia.com/2018/04/20/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B1%D8%B5%D8%AF-%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85/
الدكتور سامي الدروبي رواية زمن النساء 2018-06-21