كيف صدّرت روسيا الفنون والآداب إلى العالم العربي؟
نشرت بواسطة: admin
في Uncategorized
يونيو 19, 2018
569 زيارة
الثقافة والفنون عنوانان عريضان للشعوب، يفتّش عنها من يقرأ الحاضر ويستشرف المستقبل، ويسترشد بها من يبحثفي روابط العلاقات بين الشعوب. ونحن بدورنا قررنا الإبحار في النهر الخالد للعلاقات الثقافية بين المشرق العربي وروسيا، لنكشف طريق أسر الفنون الروسية لقلوب المثقفين العرب.
وكما يميل المزاج الروسي بشكل كبير إلى الشرق وآدابه وثقافته وحكاياته وتاريخه، كان الشرق، ولا يزال، يتداول روائع الأدب الروسي وإبداعاته الموسيقية وغيرها من الأوجه الثقافية البراقة.
الموسيقي الروسية في الشرق
ولكن متى بدأ الالتقاء الثقافي بين روسيا والمشرق العربي؟
يرى د. محمد نصر الدين الجبالي، أستاذ الأدب الروسي، أن القرن التاسع عشر شهد ازدهاراً كبيراً في الثقافة الروسية، بعد ظهور جيل جديد من الروّاد في مجالي الأدب والموسيقى، ممن ضعوا أسساً راسخة لمدرسة موسيقية روسية مميزة، انتشرت في كل أنحاء العالم.
ويستشهد الجبالي بالعديد من الأسماء مثل ميخائيل غلينكا، وألكسندر بورودين، ومودست موسورغسكي، وسيزار كيوي، وميلي بالاكريف، إلى جانب نيكولاي ريمسكي كورساكوف، مؤلف الموسيقى المعروفة بـ«شهرزاد» و«عنترة» و«غادة الثلج»، والذي ساهم بشكل كبير في نشر الموسيقي الروسية في بلدان العالم.
بدأ التحوّل في مسار الموسيقي الروسية –بحسب الجبالي- بعد إنشاء الكونسرفاتوار في سانت بطرسبرغ عام 1862، بفضل الموسيقار أنطون روبنشتاين، الذي جمع عدد من الموسيقيين ممن يحملون نفس الفكر التطور، وأسماهم «العظماء الخمسة»، وهم الذين ساهموا في تطوّر الفن وانتشاره خارج روسيا، بالرحلات التي قاموا بها.
ويوضح الجبالي أن للموسيقار بيوتر أيليتش تشايكوفسكي بصمة كبيرة في تغيير النمط الكلاسيكي للموسيقى الروسية، إذ ساهم بشكل كبير في انتقالها إلى دول الشرق، وهو ما يتبدّى بشكل خاص في أن موسيقاه ما زالت تصدح، حتى يومنا هذا، في أرجاء مسارح الشرق.
وارتبط اسم تشايكوفسكي بباليه «بحيرة البجع»، التي تعد أبرز أعماله، وهي تتضمن أربعة فصول استعراضية في إطار درامي، وقد عُرضت للمرة الأولى على مسرح «البولشوي» في موسكو في 4 آذار عام 1887.
جسرٌ فني بين روسيا والعالم العربي
ربما يأتي سبب تأثر الشرق بالموسيقي الروسية من التنوع الذي تتمتع به، والذي يعكس الثقافة الروسية الثرية بعبق التاريخ، والتي تحمل بصمات عمالقةٍ نشروا فنونهم حول العالم، لتصبح روسيا رقماً مهما في المعادلة الفنية والثقافية في العالم.
التلاقي الأول بين الروس والعرب حدث في العام 921، خلال رحلة الرحالة العربي ابن فضلان إلى روسيا، والتي وصلت إلينا، من خلال رسالته الشهيرة، التي وصف فيها الحياة الجديدة التي لم يعرفها العرب من قبل.
وفي المقابل، تعود أقدم مخطوطة أثرية مكتوبة باللغة الروسية، إلى وَصف أولى رحلات الروس للمشرق العربي، وزيارتهم للبلدان العربية المختلفة.
الباليه الروسي يغزو الشرق
يمتلك الروس ما يمكن وصفه بـ«حقوق الملكية» لنشر فن الباليه الاستعراضي في الوطن العربي، فلا تسأل مرة عن الباليه في بلاد المشرق، إلا وارتبطت به روسيا.
والمعروف أن الباليه ظهر في أوروبا كوسيلة لتباهي الأمراء بما يملكونه من نفوذ وقوة اقتصادية، ثم تطور ليصبح أداة ثقافية عابرة للحدود، بفضل مجموعة من المجددين، وفقاً للدكتورة لمياء زايد، عميدة المعهد العالي للباليه في مصر.
وبالرغم من تأكيد زايد أن فن الباليه كانت بدايته إيطالية في القرن الخامس عشر، إلا أنها ترى أن ظهوره في روسيا في القرن التاسع عشر، أحدث طفرة هائلة، وجعله يحقق انتشاراً واسعاً في بلاد الشرق؛ حيث ظهر للمرة على يد الراقص والمصمم ماريوس بتيبا، الذي دمج المدرسة الفرنسية والإيطالية، وصمم بهما المدرسة الروسية الملكية، ثم أصبح رئيساً لمصممي الرقص.
وأنتجت في هذه الفترة أعمالاً بارزة ما زالت تقدَّم في كافة مسارح الأوبرا في الوطن العربي، ويدرسها التلاميذ في المعاهد المتخصصة أيضاً، وأشهرها على الإطلاق «بحيرة البجع» و«الجميلة النائمة» للمؤلف بيوتر إليتش تشايكوفسكي.
وتعد راقصة الباليه الروسية آنّا بافلوفا من أشهر راقصات الباليه الروسيات، وأبرز من ساهم في انتشار هذا الفن في المشرق، حيث شكّلت فرقة جالت بها أرجاء العالم، وأدت الأدوار الرئيسية في «احتضار البجعة»، «كسارة البندق»، «شوبينيانا»، «جيزيل»، «الليالي المصرية»، وغيرها.
انطلق فن الباليه في المشرق العربي من مصر إلى باقي الدول العربية، وتم تأسيس مدرستين لتدريسه، الأولى حملت اسم نيلّي مظلوم، والثانية اسم لورا لوريلا، لكنهما اقتصرتا على أبناء الطبقة الارستقراطية، إلى أن قرّر ثروت عكاشة، وزير الثقافة الأسبق، تأسيس أكاديمية متخصصة لتعليم الباليه في العام 1958، مستعيناً بأساتذة روس، وفقا لما يقوله د. أحمد حسن جمعة، رئيس مركز أبحاث الباليه وفنون الاستعراض.
ويوضح جمعة: «في أوائل القرن العشرين أرسل المعهد أول بعثة مصرية إلى روسيا ضمت خمس فتيات أُطلق عليهن الفراشات الخمس وهن: ماجدة صالح، وهنزادة، وديانا حقاق، ودود فايزي، ومايا سليم، وكنّ الشرارة الأولى التي أسست لتشكيل أكبر فرق الباليه في الوطن العربي في العام 1966، وهي فرقة باليه أوبرا القاهرة، التي تتبع المعهد العالي للباليه، وقدمت أول عرض لها في العام ذاته، بعد تدريب دام عامين في روسيا».
بعد ذلك، أصبحت ماجدة صالح، عميدة المعهد العالي للباليه في مصر، وقد تحدّثت في حوار مع «Shelter Island Reporter» عن أهمية الدور الروسي في تطوير هذا الفن.
وبالرغم من أن الباليه لم يكن في ذلك الوقت متوافقاً مع الثقافة المصرية وعاداتها، إلا أنه لقي استحسان الجمهور المصري.
وفي هذا السياق، اعتبرت ماجدة صالح أن تقديم برنامج أسبوعي حمل اسم «فن الباليه»، شكّل نقلة نوعية، ساعدت على إحداث تغيير في الذوق المصري.
وشاركت ماجدة صالح في فيلم «على هامش الباليه»، الذي عُرض على شاشة قناة «بي بي سي» العربية، وتحدثت عن فن الباليه وتطور الفن عبر العصور، كما تناولت الدور الروسي في تطويره.
الأدب الروسي في الرواية العربية
ومثلما ترك الروس بصمتهم في الفنون والموسيقى، فقد ساهموا بشكل كبير في تأسيس مدارس أدبية متأثرة بهم في الشرق، وهي ظاهرة كانت متبادلة، حيث تأثر كذلك بعض الأدباء والمفكرين الروس بالشرق وآدابه.
ومنذ ازدهار حركة الترجمة من الروسية إلى العربية في ثلاثينيات القرن الماضي، بدأ الكتاب العرب يهتمون بأعمال الأدباء الروس، وكان من أشهرهم أنطون تشيخوف، وإيفان تورغينيف، وليو تولستوي، وفيودور دستويفسكي ومكسيم غوركي.
وامتاز الأدب الروسي بانحيازه للطبقات الفقيرة، ودفاعه عن المظلومي.
ومن أهم الأدباء العرب الذين تأثروا بالأدب الروسي الكاتب المصري محمود طاهر لاشين، وهو من رواد القصة القصيرة في الوطن العربي، وقد شبهه النقاد بأنطون تشيخوف، حيث كان يركز في قصته على صراع الطبقات، والمشاكل الاجتماعية، حسبما يوضح الناقد الأدبي المصري إيهاب الملاح.
علاوة على ما سبق، فإنّ نجيب محفوظ نفسه، قد تأثّر بعدد من الأدباء الروس، ومن بينهم، دوستويفسكي، وتورغنيف، وتولستوي وتشيخوف، حسبما روى في أحد حواراته مع صحيفة «الأهرام» المصرية، وقد أرجع التأثير الذي احدثته الثقافة الروسية إلى قربها من ثقافتنا الشرقية أفقاً وموضوعاً وفلسفة.
أحمد شوقي وحافظ ابراهيم يرثيان تولستوي
يتجلى تأثر الأدباء العرب بالروس في رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي للأديب الروسي الروائي ليو تولستوي قائلاً:
تولستوي تجري آية العلم دمعها
عليك ويبكي بائس وفقير
ويندب فلاحون أنت منارهم
وأنت سراج غيبوه منير
يعانون في الأكواخ ظلماً وظلمة
ولا يملكون البث وهو يسير
وكذلك الشاعر حافظ إبراهيم الذي لم يفوت فرصة الرثاء قائلاً:
رثاك أمير الشعر في الشرق وانبرى
لمدحك من كتاب مصر كبير
ولست أبالي حين أرثيك بعده
إذا قيل عني قد رثاه صغير
فقد كنت عوناً للضعيف وإنني
ضعيف وما لي في الحياة نصير
ولست أبالي حين أبكيك للورى
حوتك جنان أو حواك عسير
أدباء تأثروا بالشيوعية الروسية
كان لانتصار الثورة البلشفية في العام 1917 أثر كبير في الفكر والأدب الروسيين.
هذا الأثر تبدّى بشكل خاص في أعمال مكسيم غوركي، والذي تجلت أفكاره في رائعته «الأم»، التي تروي الصراع بين الطبقة العاملة والقيصرية الروسية وأسباب الثورة.
الامر لم يختلف كثيراً عند الأدباء العرب، فظهرت أسماء لامعة تتحدث عن الشيوعية الروسية، وعرفت هذه المرحلة «الأدب السياسي»، بحسب ما يشير جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر.
محمود أمين العالم
ويذكر شقرة عدداً من الرواد الذين تأثروا بالفكر الشيوعي حينها، أمثال محمود أمين العالم، الذي يعد واحداً من الأدباء الذين قدم عدداً كبيراً من الكتابات في نشر الفكر الشيوعي، كذلك الشاعر المسرحي، نجيب سرور، الذي سافر إلى روسيا عام 1959، التي سافر إليها في بعثة أدبية، وهناك تأثر بالفكر الشيوعي.
أما في المسرح العربي، فيشير شقرة إلى تأثر العرب بالأدب السوفياتي، لا سيما في ما يتعلق بالنظرة الواقعية التي تسعى للوقوف على قضايا المجتمع وهمومه.
وظهر جيل من الكتاب أمثال نعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، عبد الرحمن الشرقاوي، الذين اهتموا بحياة الكادحين في المجتمع خلال الستينيات.
وفي خمسينيات القرن العشريين، انضم كتاب عرب إل الحزب الشيوعي، وانتهجوا أفكاره، وأبرزهم الكاتب المصري صنع لله إبراهيم، الذي اتخذت كتاباته منحىً سياسي معارض، ما أدى إلى سجنه، وهناك قرأ أعمال المنظر الشيوعي جورج لوكاش.
لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار التأثير المتبادل بين العرب وروسيا في مجال الفنون والثقافة، وإن كانت الكفة تميل أحيانا إلى الثقافة الروسية، فالباليه على سبيل المثال، علامة مسجلة باسمها في العالم العربي، وكذلك الحال بالنسبة إلى المقطوعات الموسيقية الملهمة للفنانين الروس، بجانب الأدب الروسي الرائد، الذي أسس مدرسة ما زالت بصماتها واضحة في الشرق.
للإطلاع على مصدر المقال :
الالتقاء الثقافي بين روسيا والمشرق العربي الباليه الروسي يغزو الشرق الثقافة الروسية الموسيقي الروسية في الشرق جسرٌ فني بين روسيا والعالم العربي ميخائيل غلينكا نيكولاي ريمسكي كورساكوف 2018-06-19